لطالما كان تطوير طُرُق تربية الدواجن والخنازير مع خصائص الانتاج المكثّف مدعوماً من قبل تأسيس دائرة يتخلّلها إنتاج علفٍ متوازنٍ على نطاقٍ واسعٍ.
وفي المقابل، تُبنى الأعلاف المتوازنة على استعمال الذرة كعنصرٍ أساسيّ للطاقة في العلف، مع أفضليّة خاصّة على باقي الحبوب، بحيث أنّها لا تحتوي على مضادّات التغذية ضمن عناصرها.
ولكن، منذ سبعينات القرن الماضي، تمّ إدراج حبوب أخرى في تركيبة الأعلاف التجارية للدواجن والخنازير.
- في أميركا الجنوبيّة، وخصوصاً في فنزويلا، تُستعمل الذرة البيضاء، بعد الذرة الصفراء، كنوع حبوبٍ آخر في الأعلاف الصناعيّة المتوازنة.
- تحتوي معظم الذرة البيضاء على تانين مكثّف (أو أعفاص مكثّفة) ضمن عناصرها، والتي تمّ ربطها في الحيوانات غير المجترّة بتداعياتٍ سلبيّة على هضم وأيض المغذّيات.
يسلّط هذا التقرير الضوء على مبادئ متعلّقة بعلم سموم الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي، مع التركيز على جوانبها الداخليّة والخارجيّة.
الرسم 1. حبّة الذرة البيضاء وغلاف البذرة.
علم سموم الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي
تعطى تسمية “الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي” بسبب وجود طبقة واضحة من الخلايا مسمّاة بغلاف البذرة (Rooney and Miller, 1981; Rumbos, 1986). تتواجد هذه الطبقة وتشتدّ صبغتها في المراحل الأولى من تكوين الحبّة.
- وكخاصّيّة بُنيَويّة مهمّة، تمّ تحديد أنّ الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي ذات غلاف البذرة النامي وشديد الصبغة تحتوي على نسبة عالية من إجمالي متعدّد الفينول والتانين المكثّف مقارنةً بتلك الذرة التي فيها القليل من النمو أو عدم نموّ هذه الطبقة (Doherty et al., 1987; Ciccola, 1989).
- يقترح هذا الواقع أنّ الخلايا التي تنتج هذه المركّبات موجودةٌ في هذه الطبقة. لذلك، تلك المستنبتات التي لا تحتوي على غلاف البذرة (الذرة البيضاء ذات النمط الجيني الأبيض) لا تحتوي على تانين مكثّف؛ وقيمتها الغذائيّة تتراوح بين 96 و98% مقارنةً بالذرة الصفراء (Sullivan, 1987).
التأثير السمّي الداخلي: المركّبات متعدّدة الفينول
من وجهة نظر كيميائيّة، يمكن تصنيف المركّبات متعدّدة الفينول تحت ثلاثة تصنيفات:
الأحماض الفينوليّة الموجودة في جميع مستنبتات الذرة البيضاء وأغلبيّة مركّبات الفلافونويد الساحقة، بوقت أنّ التانين، وبشكلٍ خاصّ المكثّفة منها، موجودةٌ في الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي فقط، وهي تحتوي على غلاف بذرة مصبوغٍ ومقاومٍ لهجوم العصافير والتحلّل الإنزيمي (Hahn et al., 1984).
التانين
تعدّ التانين بوليميرات فينوليّة معقّدة تشكّل بعضاً من منتجاتٍ طبيعيّةٍ متعدّدةٍ وشاسعة التوزّع في عددٍ كبيرٍ من الخضراوات، ومنها الأشجار والفاكهة والحشائش.
يعدّ وجودها في الحبوب نادراً، وفي حالة الذرة البيضاء، فهي تتواجد في تلك المستنبتات ذات النمط الجيني البنّي (Mehansho et al., 1987a).
التانين القابلة للتحلّل في الماء
جعل بحث Hahn والآخرون (1984) من الممكن التفريق بين مجموعتين كبيرتين:
ويعدّ حمض التانين أبرز ممثّلي هذه المجموعة، والذي بدوره ينفتح على مقوّماته الخاصّة: سكّرٌ ما وحمضٌ فينوليٌّ (حمض الغاليك أو حمض الإيلاجيك) عند تعرّضه للمعالجة بمحلولاتٍ حمضيّة أو قلويّة أو بإنزيمات تحلّل بالماء مثل التّنّاز.
التانين المكثّفة
هي بوليمرات فينوليّة عالية الكتلة الموليّة (500 إلى 3000 دالتون)، وتذوب بالماء نتيجة تكثيف الفلافانولات أو وحدات الكاتيشين المعروفة أيضاً بالبروأنثوسيانيدين (Salunkhe et al., 1982).
- للتانين المكثّفة القدرة على ترسيب المواد شبه القلويّة والجيلاتين والبروتينات الأخرى، مشكّلةً معقدات تانين-بروتين ثابتة؛ الأمر الذي يؤدّي إلى إبطال البروتين ثمّ ترسيبها (Aw and Swanson, 1985).
- يرتبط هذا النوع من التانين علميّاً بتدهور قيمة الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي والتجاوب الإنتاجي الخاص بها في الدواجن (Hahn et al., 1984; Jaramillo, 1992).
الرسم 2. بنية بوليمر البروأنثوسيانيدين (التانين المكثّف). المصدر: معدّل من Gupta وHaslam (1979).
التأثير السمّي الخارجي: مستقلبات فطريّات المجهر
تتواجد الفطريات كملوّثات طبيعيّة من داخل النباتات، وتلك العائدة إلى الذرة البيضاء بشكلٍ خاصّ، مهمّة للغاية لأنّها، بالإضافة إلى التأثير السمّي الداخلي للحبّة الناتج عن وجود التانين المكثّف، تمّ إدخال عنصر سامّ جديد.
- يعدّ هذا العنصر السامّ خارجيّاً في الطبيعة. يتمثّل بالتلوّث الطبيعي بالسموم الفطريّة عندما تتمتّع الفطريّات بالقدرة المورثيّة على إنتاج واحد أو أكثر من مُركّب كيميائي.
عند إنتاجها في حبوب الذرة البيضاء، يُمكن ابتلاع هذه السموم الفطريّة من خلال العلف، ما يتسبب في اختلالٍ في الوظائف العضويّة في الطيور، ما يؤثّر سلباً على الصحّة بشكلٍ عام وعلى وتيرة الإنتاج.
في حيوانات الإنتاج، وخصوصاً الدواجن والخنازير، تعدّ التأثيرات الناتجة عن تناول الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي عالية التانين والملوّثة بالسموم الفطريّة غير معروفة حتّى الآن لأنّ مجهود الأبحاث الذي يركّز على هذا النوع من الذرة البيضاء بالتحديد يدرس تأثيرات التانين المضادّة للتغذية.
علم سموم الثلاثيّة السبب – التأثير – الاستجابة
يمكن تعريف الثلاثيّة السبب – التأثير – الإستجابة كحركة العنصر المسبب على الأجهزة البيولوجيّة، ما يسمح بنشوء تأثيرٍ ما يُعبّر عنه عن طريق استجابة أو ظهورٍ يمكن قياسه أو رؤيته (Jaramillo, 2005).
الصورة 1. فطريات المجهر. أطباق بتري تحتوي على أغار المانيتول والملح وأغار ديكلوران روز بنغال كلورامفينيكول بعد ثمانية أيام من التحضين. المصدر: الدكتورة مارتا خاراميّو (1999-2018)
في الوقت الحالي، من المعروف أنّ في الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي:
- يتمثّل السبب بالوجود الداخلي للتانين المكثّف والوجود الخارجي للمستقلبات المُنتجة من قبل فطريّات المجهر التي تلوّث الحبوب داخليّاً وخارجيّاً في الحقل، ثمّ يُضاف إليها فطريّات المجهر بشكلٍ خارجيّ خلال التخزين والنقل.
- يتمثّل التأثير بإنتاج تأثيراتٍ تمّ تطويرها عن طريق العنصر المسبب في أعضاء وأنسجة الأجهزة البيولوجيّة المختلفة.
- ترتبط الإستجابة بالمظاهر التي تؤدّيها الحيوانات كعاقب للتأثير. يمكن قياس هذه الأخيرة بشكلٍ كمّيّ (Jaramillo, 2005).
التانين المكثّفّ
السمّيّة الأيضيّة
لا يبدو من الممكن امتصاص التانين المكثّف بشكلٍ مباشر. ربّما ذلك لا يحصل بسبب الحواجز التشريحيّة و، بشكلٍ أدقّ، بسبب الحجم الكبير لبوليمرات التانين، التي لا تتحلّل بواسطة إنزيمات الجهاز الهضمي لتصل إلى منتجها الأخير.
ولكن، تمّ ربط بعض أدلّة سميّة الأيض للتانين المكثّفّ وغيره من المركّبات الكيميائيّة الموجودة في حبوب الذرة البيضاء مثل:
- تظهر دراسات Sell وRogler (1983) إمكانيّة أن يتسبّب التانين المكثّف بتسميم الأيض عبر إيجاد ازديادٍ في حركيّة إنزيم UDP-glucuronyltransferase في الطيور التي تناولت الذرة البيضاء ذات النسبة المرتفعة من التانين مقارنةً بتلك التي تناولت ذرة بيضاء ذات مستوى تانين منخفض.
من المعروف أنّ هذا الإنزيم يتدخّل في عمليّة إزالة سمّيّة المركّبات الفينوليّة. بناءً على ذلك، قد يشير ازدياد نشاط هذا الإنزيم إلى امتصاص التانين المكثّف من خلال الجدار المعوي.
- تُدعم هذه الفرضيّة من قبل ملاحظات Martin-Tanguy والآخرون (1976)، الذين اقروّا أنّ التانين يقلّل من الإستعمال الأيضي للأحماض الأمينيّة.
- قد تشير هذه النتائج إلى وجود عاملٍ مضرّ قد يرتبط بحركة هذه المركّبات أو أوليغوميرات الفلافونويد.
مستقلبات فطريّات المجهر
تعدّ أبحاث Jaramillo وWyatt (2000أب، 2001أب، 2002أب، 2003أب، 2004أب) كرائدة دراسات ثلاثيّة السمّيّة في حبوب الذرة البيضاء، وتسلّط الضوء على أنّ عناصر الثلاثيّة قد تتمثّل من خلال:
- محتوى التانين المكثّف
- التلوّث بفطريّات المجهر
- القدرة السمّيّة لفطريّات المجهر
فتحت هذه الثلاثيّة مجالاً مشوّقاً للتحقيق.
- في دراسات مختلفة، يناقش Jaramillo وWyatt نتائجَ مهمّة تسمح لنا حاليّاً باستيعاب سميّة الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي تحت مبدأ جديد هو نظام تداخل التانين المكثّف بمستقلبات فطريّات المجهر، حيث تمّ التركيز على حركيّة التطوّر.
- يتواجد نظام السمّيّة هذا بشكلٍ طبيعيّ تحت ظروف الحقل،آخذين بعين الإعتبار وجود التانين في الحبوب وتلوّثها الداخلي والخارجي بفطريّات المجهر.
الخلاصة
في دراسة سميّة الذرة البيضاء ذات النمط الجيني البنّي، تسمح وجهة نظر مبدأ الثلاثيّة: محتوى التانين المكثّف – التلوّث بفطريّات المجهر – القدرة السمّيّة لفطريّات المجهر بتقييم سميّة الحبوب بشكلٍ أدقّ وأكثر تمثيلاً بالإضافة إلى حالات التلوّث التي تحصل في الحقل وعلى مستوى التخزين وتأثيرها على الطيور والخنازير عندما يولّدون استجابة عكسيّة لوظيفة الأعضاء والأجهزة المختلفة؛ بما يؤثّر بشكلٍ أكبر على الطيور الشابّة.
يقودنا استيعاب السمّيّة إلى تغذية حيوانيّة وإعلاف أكثر فعاليّة وعقلانيّة.
Source: Dr. Marta Jaramillo (2016)
المراجع موجودة عند الطلب.